بنفسج

د.محمد الجلاد : جولات معرفية حبًا ونصرة للأقصى [1]

الخميس 26 يناير

لطالما كنت أفكر في كيفية نصرة المسجد الأقصى، كنت حينها أفكر كثيرا ًفي الوصول إلى الخطوات التي تعينني على ذلك،ولكن  سرعان ما شتت  تفكيري حاجز قلنديا العسكري الفاصل بين مدينتي القدس ورام الله، مكثنا لساعات طويلة تحت أشعة الشمس على أمل العبور للداخل المحتل، والوصول إلى مدينة القدس، كنا في شهر رمضان والجو شديد الحرارة، والشمس تضرب رؤوسنا والعطش يزداد شيئاً فشيئا، لكن الشوق للقدس والرغبة الوثابة إلى سحر قبة الصخرة،  طغت  على كل جوارحنا، أنستنا الحر الشديد والعطش والجوع، وكنا في حماس تامّ للوصول ورؤية معالم المسجد الأقصى.

وصلنا مع أذان المغرب بعد مسير طويل من باب العامود وصولًا إلى باب القطانين أحد أبواب المسجد الأقصى، وارتوت الروح والأوصال بمجرد أن لمحنا بريق قبة الصخرة واتجهنا لنكسر صيامنا من أقرب سبيل، فكان سبيل "قايتباي" الأقرب لنا.

يُقال إن الماء لا طعم له ولكن تلك الشربة كانت الألذ بالنسبة لي، وبدأت من تلك الليلة أول ليلة من العشر الأواخر معتكفة في رحاب المدينة التي أحب.

مررت على سبيل "قايتباي" مرتين أو ثلاث خلال أول يومين، ليصبح  معلمًا تاريخيًا بالنسبة لي، ومن أجمل مما رأيت وأكثر من مجرد ينبوع ماء ، وبعد صلاة الفجر تجمعنا عند السبيل، وجاء الدكتور محمد الجلاد "أبو الحسن" ليقودنا في جولات تعريفية متنوعة في رحاب المسجد الأقصى وحنايا أمنا القدس ... 

 
 
الدكتور محمد وصفي الجلاد من مدينة طولكرم، حاصل على دكتوراه في علم التفسير من كلية الشريعة في جامعة النجاح الوطنية، ويعمل كمدرس لمادة  التربية الإسلامية في مدارس التربية والتعليم.
 
 يقول: "منذ نعومة أظافري وأنا أحب المسجد الأقصى، هذا الحب الفطري لكل طفل فلسطيني يرضعه مع حليب أمه، ولكن هذه العلاقة تطورت في كنف المساجد، فمنذ الصغر أكرمني الله بأن تربيت في المسجد بيتي الثاني، أو إن صح التعبير بيتي الأول، دورات تحفيظ وتجويد ودروس دين في الفقه والعقيدة الإسلامية".

الدكتور محمد وصفي الجلاد من مدينة طولكرم، حاصل على دكتوراه في علم التفسير من كلية الشريعة في جامعة النجاح الوطنية، ويعمل مدرساً لمادة التربية الإسلامية في مدارس التربية والتعليم، متزوج وأب لشاب وفتاتين، ويعمل بشكل تطوعي كخطيب وداعية في المساجد، ويعطي الدورات والندوات الثقافية التاريخية أيضًا.

أنشد أحدهم مرة: "ما اخترنا حبك يا أوطان لكن الله قد أختار، حب الأوطان من الإيمان إنا لا نعلن أسرارًا"، أجل إن حب المسجد الأقصى قلب الوطن، سر عظيم يظل مبهما  مهما أفصحنا عنه لصعوبة وصفه، ومهما اجتهدنا في سبيله يظل جهدنا متواضع، يحب كل منا الوطن بطريقته، فكيف ومتى أحب الدكتور الجلاد المسجد الأقصى؟

يقول: "منذ نعومة أظافري وأنا أحب المسجد الأقصى، هذا الحب الفطري لكل طفل فلسطيني يرضعه مع حليب أمه، ولكن هذه العلاقة تطورت في كنف المساجد، فمنذ الصغر أكرمني الله بأن تربيت في المسجد بيتي الثاني، أو إن صح التعبير بيتي الأول، دورات تحفيظ وتجويد ودروس دين في الفقه والعقيدة الإسلامية، ودروسًا في التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية، وكان كل درس يربطنا بالمسجد الأقصى فأحببناه عن عاطفة وفهم وعلم حتى تضاعف وكبر، وكانت النقلة النوعية عند زيارة المسجد الأقصى ليكبر حبه بداخلي أكثر، وكلها من مظاهر الرباط في المسجد الأقصى، ونصرة المسجد الأقصى".

1-20.jpg
من الجولات التعريفية بـ معالم المسجد الأقصى بإشراف الدكتور محمد الجلاد

إن الحب مهما عظم وكبر يظل متواضعًا قبل لقاء المحبوب، فإذا التقى الحبيب بالمحبوب تعمّق الحب وكبر وأخذ منحى أكبر من سابقه، كما يرى الدكتور محمد، ويضيف: "الفرق في حجم حب المسجد الأقصى وشكل تضاعفه قبل زيارته وبعد زيارته والاعتكاف والرباط فيه، أمر يصعب وصفه وتشبيهه بشيء، إلا في حالة واحدة وهي حجم حب النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل رؤيته وبعد رؤيته والقتال معه والصلاة خلفه، فكلنا نحب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو أمر متجذر فينا وجزء من عقيدتنا، نحبه أكثر من أمهاتنا وآبائنا وأنفسنا، ونحن لم نره بعد، فكيف حالنا إذا رأيناه؟ كيف سيكون مقدار الحب له إذا رأينا وجهه؟ وجلسنا بين يديه؟ عليه أفضل الصلاة والتسليم".


اقرأ أيضًا: مرابطات عن بعد: هنا القدس بتوقيت النساء


بهذا المثال العظيم الذي لا يضاهيه شيء، يقرب أبو الحسن حب المسجد الاقصى الذي يتضاعف ويتعمق، و يكمل الدكتور: "عاهدت الله ونفسي أن أحمل همّ الاقصى ما استطعت لذلك سبيلًا منذ أن تضاعفت هذه المحبة، فلا سبيل لمحب المسجد الأقصى، وهو المحروم منه وعنه قسرًا إلا أن يخدمه ويحمل همه ويسير في نصرته، وكان أول ما قدمت له بشكل ملموس هي الجولات التعريفية في المسجد الأقصى للتعرف إلى معالمه".

| من متجول في رحاب الأقصى إلى قائد

بدأت حكاية ضيفنا مع الجولات في المسجد الأقصى عام 2009 لم تكن جولة يقودها في تلك الأيام، بل كانت أول جولة يلتحق بها، وكان يقودها الدكتور ناجح بكيرات، يقول الجلاد: "لأكون صادقًا لم أقتنع قبل هذه المرة بفكرة الجولات التعريفية في المسجد الأقصى، فكنت أرى من منظوري الضيق وقتها أنه لا فائدة عظيمة من معرفة إن كانت هذه المأذنة أموية أو عثمانية، ومن شيّد هذا المنبر، ومن أقام هذا السبيل، وأن هذه الأمور لن تزيد أو تنقص من قيمة المسجد الأقصى عندي أو محبته في صدري، وما فائدة هذا في نصرة المسجد الأقصى".

يقول الشافعي: "كلما ما ازدت علمًا زادني علمًا بجهلي"، وهذا ما حصل مع الجلاد، فيكمل الحكاية،: "رغم عدم رغبتي بالالتحاق بالجولة سرت بها، لأدرك أنني كنت على خطأ، فالجولات عمّقت معرفتي بالمسجد الأقصى، وتاريخ الأماكن المقدسة، والتاريخ الإسلامي عمومًا، فالبعد التاريخي مهم كما البعد العقائدي، وبهذا يصبح هناك رابط روحي بين المكان والإنسان، عندما تعلم الجيوش والقادة الذين مروا من هنا، وكيف بني هذا ولماذا تتعرف على حكايات كثيرة مستترة خلف كل حجر من أحجاره،  وبعد هذه الجولة الأولى كررت الجولات على أيام متتالية في مواقع متعددة داخل المسجد الأقصى خلال أيام الاعتكاف".


اقرأ أيضًا: هل تتحقق نصرة الأقصى "بالحب" فقط؟


خلقت هذه الجولات تغييرًا جوهريًا في تفكير الجلاد حتى عزم واجتهد أن يقود مثل هذه الجولات في الأعوام التي تلتها بنفسه، يردف: "عزمت أن تكون أول جولة أقودها في اعتكاف عام 2010 ولكني اعتُقلت، وحال الاعتقال بيني وبين ذلك، وفي 2011 تكرر اعتقالي أيضًا، ولكني لم أنس عهدي وكانت أول جولة لي في اعتكاف رمضان عام 2012، ولكني أضفت شيئًا جديد على البعد التاريخي، فأضفت البعد الروحاني لهذه الجولة عبر ربط كل معلم من معالم المسجد الأقصى بقاعدة تربوية مثلًا علاقة قبة الصخرة بالزهد والإخلاص، علاقة منبر نور الدين بالإصرار، علاقة سور المسجد الأقصى بالجهاد والرباط وغيرها".

|  الشيخ ناجح بكيرات .. المعلم والقدوة

يردف قائد الجولات التعريفية: "إلى جانب عهدي مع نفسي زاد من الدافع نحو إتمام جولتي، وما تبعها من جولات أخرى كون الشيخ ناجح بكيرات، كان يتعرض للإبعاد المستمر عن المسجد الأقصى والاعتقال أيضًا ، فكنا كمعتكفين، خصوصًا فئة الشباب، نتجمع ولا نجد من يأخذنا في جولة، فيزكيني الشباب لأفعل ذلك عوضًا عن الدكتور ناجح الذي لا أزكي نفسي عليه"

بعد ذلك تطورت الجولات لدى أبو الحسن لتصبح خارج أسوار الاقصى، وفي أيام غير أيام الاعتكاف، حيث بات يعطي الجولات خلال الندوات مع استعراض فيديوهات أو صور أو في المنزل عبر الاجتماعات الإلكترونية من خلال برنامج التجول ثلاثي الأبعاد الإلكتروني.

يصف لنا الجلاد ردة فعل الناس التي تلتحق بالجولات، فيتفاجأ الناس ويشعرون بالدهشة حيال أنفسهم، ويعتريهم فرح وحزن في آن واحد بعد الجولات التي يقوم بها أبو الحسن، أو حتى تلك التي يقوم بها غيره من الأساتذة الأفاضل، فدائمًا ما يقولون لهم: "كنا نظن أن المسجد الأقصى هو قبة الصخرة والمسجد القبلي، حتى هذان المصليان كنا نراهما مكان للصلاة والعبادة لنيل الأجر المضاعف ، إلا أن هذه الجولات وادت من اهتمامنا بالمسجد الأقصى وشوقنا له والمحاولة بل والاستماتة لزيارته"


اقرأ أيضًا: المرابطة زينة عمرو: عن الحياة في كنف المسجد الأقصى


يصحبنا الجلاد في رحلة الذكريات " " لا أنسى ما قاله أحدهم بعد نهاية الجولة : كم مرة زرت المسجد الأقصى في حياتي، ولكني أشعر أن هذه المرة الأولى التي أزور المسجد الأقصى وأراه، فقد انقلب منظوري وشعوري ومعرفتي وكل شيء،  أما على صعيدي الشخصي، فأشعر بالفرح الشديد عندما أرى أحدهم وقد ازداد علمًا بالمسجد الأقصى واشتد الرابط الذي يجمعه به،  واطمأن عندما أرى اهتمام أحدهم بالجولات كبيرًا كان أم صغيرًا لأن هذا يخدم الأقصى، وهذا ما يريده الأقصى منا أن نعمل له، وحتى نعمل علينا أن نعرف ونتعلم، وهذا يأتي بالسؤال والاهتمام للمعرفة " .

نكمل باقي الحوار في الجزء الثاني مع الدكتور محمد الجلاد والذي سنتناول فيه الكتب التي قام بتأليفها، وكيف نمى معرفته بمعالم المسجد الأقصى، وكيفية نصرة المسجد الأقصى، وكيفية تنشئة الأطفال على حب المسجد الأقصى ونصرته.